الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
.بَيَانُ مَدْحِ الْمَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّمِّ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْمَالَ خَيْرًا فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [الْبَقَرَةِ: 180] وَقَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نُوحٍ: 12] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ».وَلَا تَقِفُ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الذَّمِّ وَالْمَدْحِ إِلَّا بِأَنْ تَعْرِفَ حِكْمَةَ الْمَالِ وَمَقْصُودَهُ وَآفَاتِهِ؛ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَكَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَشَرٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّهُ مَحْمُودٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَيْرٌ وَمَذْمُومٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَيْرٍ مَحْضٍ وَلَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، بَلْ هُوَ سَبَبُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَمَا هَذَا وَصْفُهُ، فَيُمْدَحُ تَارَةً وَيُذَمُّ أُخْرَى..بَيَانُ تَفْصِيلِ آفَاتِ الْمَالِ وَفَوَائِدِهِ: قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَالَ فِيهِ خَيْرٌ وَشَرٌّ، فَمَنْ عَرَفَ فَوَائِدَهُ وَغَوَائِلَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ شَرِّهِ وَيَسْتَدِرَّ مِنْ خَيْرِهِ. أَمَّا الْفَوَائِدُ فَدُنْيَوِيَّةٌ وَدِينِيَّةٌ، أَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَمَعْرُوفَةٌ، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَتَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُنْفِقَهُ إِمَّا عَلَى عِبَادَةٍ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ وَالْعِلْمِ، وَإِمَّا فِيمَا يُقَوِّيهِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَلْبَسٍ، وَمَسْكَنٍ، وَمَنْكَحٍ، وَضَرُورَاتِ الْمَعِيشَةِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى الْعِبَادَةِ إِلَّا بِهِ فَهُوَ عِبَادَةٌ.النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَصْرِفُهُ إِلَى النَّاسِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الصَّدَقَةُ، وَالْمُرُوءَةُ، وَوِقَايَةُ الْعِرْضِ، وَأُجْرَةُ الِاسْتِخْدَامِ.أَمَّا الصَّدَقَةُ: فَلَا يَخْفَى ثَوَابُهَا.وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ: فَنَعْنِي بِهَا صَرْفَ الْمَالِ إِلَى الْأَغْنِيَاءِ وَالْأَشْرَافِ فِي ضِيَافَةٍ، وَهَدِيَّةٍ، وَإِعَانَةٍ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى صَدَقَةً، بَلِ الصَّدَقَةُ مَا يُسَلَّمُ إِلَى الْمُحْتَاجِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ؛ إِذْ بِهِ يَكْتَسِبُ الْعَبْدُ الْإِخْوَانَ وَالْأَصْدِقَاءَ، وَبِهِ يَكْتَسِبُ صِفَةَ السَّخَاءِ وَيَلْتَحِقُ بِزُمْرَةِ الْأَسْخِيَاءِ، فَلَا يُوصَفُ بِالْجُودِ إِلَّا مَنْ يَصْطَنِعُ الْمَعْرُوفَ، وَيَسْلُكُ سَبِيلَ الْمُرُوءَةِ وَالْفُتُوَّةَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَعْظُمُ الثَّوَابُ فِيهِ، فَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ فِي الْهَدَايَا، وَالضِّيَافَاتِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ فِي مَصَارِفِهَا.وَأَمَّا وِقَايَةُ الْعِرْضِ: فَنَعْنِي بِهِ بَذْلَ الْمَالِ لِدَفْعِ هَجْوِ الشُّعَرَاءِ، وَثَلْبِ السُّفَهَاءِ وَدَفْعِ شَرِّهِمْ، وَهُوَ أَيْضًا- مَعَ تَنَجُّزِ فَائِدَتِهِ فِي الْعَاجِلَةِ- مِنَ الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» وَكَيْفَ لَا وَفِيهِ مَنْعُ الْمُغْتَابِ عَنْ مَعْصِيَةِ الْغِيبَةِ، وَاحْتِرَازٌ عَمَّا يَثُورُ مِنْ كَلَامِهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ الَّتِي تَحْمِلُ فِي الْمُكَافَأَةِ وَالِانْتِقَامِ عَلَى مُجَاوَزَةِ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ.وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ: فَهُوَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ كَثِيرَةٌ، وَلَوْ تَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ ضَاعَتْ أَوْقَاتُهُ.النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَصْرِفُهُ إِلَى إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ، وَلَكِنْ يَحْصُلُ بِهِ خَيْرٌ عَامٌّ؛ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالرِّبَاطَاتِ، وَدُورِ الْمَرْضَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْقَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْخَيْرَاتِ، وَهِيَ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْمُؤَبَّدَةِ الدَّارَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، الْمُسْتَجْلِبَةِ بَرَكَةَ أَدْعِيَةِ الصَّالِحِينَ، وَنَاهِيكَ بِهَا خَيْرًا، فَهَذِهِ جُمْلَةُ فَوَائِدِ الْمَالِ فِي الدِّينِ.وَأَمَّا الْآفَاتُ: فَدِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ، وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَثَلَاثٌ:الْأُولَى: أَنْ تَجُرَّ إِلَى الْمَعَاصِي، فَإِنَّ الْمَالَ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الْمَعَاصِي وَارْتِكَابِ الْفُجُورِ.الثَّانِيَةُ: أَنْ يَجُرَّ إِلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَالتَّمَرُّنِ عَلَيْهِ، حَتَّى يَصِيرَ مَأْلُوفًا عِنْدَهُ وَمَحْبُوبًا لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَإِذَا اشْتَدَّ أُنْسُهُ بِهِ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَيْهِ بِالْكَسْبِ الْحَلَالِ، فَيَقْتَحِمُ الشُّبَهَاتِ، وَيَخُوضُ فِي الْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ، وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ؛ لِيَنْتَظِمَ لَهُ أَمْرُ دُنْيَاهُ، وَيَتَيَسَّرَ لَهُ تَنَعُّمُهُ، وَذَلِكَ مِنْ شُؤْمِ الْمَالِ.الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُلْهِيهِ إِصْلَاحُ مَالِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ خُسْرَانٌ.وَأَمَّا الْآفَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَكَثِيرَةٌ؛ كَالْخَوْفِ، وَالْحُزْنِ، وَالْغَمِّ، وَالْهَمِّ، وَالتَّعَبِ فِي دَفْعِ الْحِسَابِ، وَتَجَشُّمِ الْمَصَاعِبِ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَكَسْبِهِ، وَالْفِكْرِ فِي خُصُومَةِ الشُّرَكَاءِ وَمُنَازَعَتِهِمْ.وَأَدْوِيَةُ أَفْكَارِ الدُّنْيَا لَا نِهَايَةَ لَهَا. فَإِنَّ تِرْيَاقَ الْمَالِ أَخْذُهُ مِنْ حِلِّهِ، وَصَرْفُهُ فِي الْخَيْرَاتِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُمُومٌ وَآفَاتٌ. نَسْأَلُهُ تَعَالَى السَّلَامَ وَالْعَوْنَ بِلُطْفِهِ وَكَرَمِهِ..بَيَانُ ذَمِّ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَمَدْحِ الْقَنَاعَةِ وَالِاقْتِصَادِ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَ قَانِعًا مُنْقَطِعَ الطَّمَعِ عَنِ الْخَلْقِ، غَيْرَ مُتَلَفِّتٍ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا حَرِيصًا عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ كَيْفَ كَانَ؛ لِئَلَّا يَتَدَنَّسَ بِذُلِّ الْحِرْصِ، فَيَجُرُّهُ إِلَى مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَارْتِكَابِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ جُبِلَ الْآدَمِيُّ عَلَى الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا» وَعِلَاجُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأُمُورٍ:الْأَوَّلُ: الِاقْتِصَادُ فِي الْمَعِيشَةِ وَالرِّفْقُ فِي الْإِنْفَاقِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْقَنَاعَةِ، فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ خَرْجُهُ وَاتَّسَعَ إِنْفَاقُهُ لَمْ تُمْكِنْهُ الْقَنَاعَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ»، وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ». وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ وَالْهَدْيُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».الثَّانِي: أَنْ يَتَحَقَّقَ بِأَنَّ الرِّزْقَ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ لَابُدَّ وَأَنْ يَأْتِيَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ حِرْصُهُ.الثَّالِثُ: أَنْ يَعْرِفَ مَا فِي الْقَنَاعَةِ مِنْ عِزِّ الِاسْتِغْنَاءِ، وَمَا فِي الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ مِنَ الذُّلِّ وَالْمُدَاهَنَةِ.الرَّابِعُ: أَنْ يَكْثُرَ تَأَمُّلُهُ فِي تَنَعُّمِ الْكَفَرَةِ وَالْحَمْقَى، ثُمَّ يَنْظُرَ إِلَى أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَيَسْتَمِعَ أَحَادِيثَهُمْ، وَيُطَالِعَ أَحْوَالَهُمْ، وَيُخَيِّرَ عَقْلَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفُجَّارِ أَوِ الْأَبْرَارِ، فَيَهُونُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْقَنَاعَةُ بِالْيَسِيرِ.الْخَامِسُ: أَنْ يَفْهَمَ مَا فِي جَمْعِ الْمَالِ مِنَ الْخَطَرِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي آفَاتِ الْمَالِ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْظُرَ أَبَدًا إِلَى مَنْ دُونَهُ فِي الدُّنْيَا، لَا إِلَى مَنْ فَوْقَهُ. فَبِهَذِهِ الْأُمُورِ يَقْدِرُ عَلَى اكْتِسَابِ خُلُقِ الْقَنَاعَةِ، وَعِمَادُ الْأَمْرِ الصَّبْرُ..بَيَانُ فَضِيلَةِ السَّخَاءِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ إِنْ كَانَ مَفْقُودًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالُ الْعَبْدِ الْقَنَاعَةَ وَقِلَّةَ الْحِرْصِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالُهُ الْإِيثَارَ، وَالسَّخَاءَ، وَاصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ، وَالتَّبَاعُدَ عَنِ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ، فَإِنَّ السَّخَاءَ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ النَّجَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: «خُلُقَانِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: حُسْنُ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءُ، وَخُلُقَانِ يَبْغَضُهُمَا: سُوءُ الْخُلُقِ وَالْبُخْلُ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ».وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ: بَذْلُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الْكَلَامِ».وَقَالَ أنس: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَعْطَاهُ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ مِنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ.وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّخِيَّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّ الْبَخِيلَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ، وَأَدْوَأُ الدَّاءِ الْبُخْلُ».وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ كُتِبَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا وَقَى بِهِ الرَّجُلُ عِرْضَهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ نَفَقَةٍ فَعَلَى اللَّهِ خَلْفُهَا».وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ».وَعَنْ الحسن بن علي: الْكَرَمُ هُوَ التَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَالْإِطْعَامُ فِي الْمَحَلِّ، وَالرَّأْفَةُ بِالسَّائِلِ، مَعَ بَذْلِ النَّائِلِ.وَعَنْ عبد الله بن جعفر: أَمْطِرِ الْمَعْرُوفَ مَطَرًا، فَإِنْ أَصَابَ الْكِرَامَ كَانُوا لَهُ أَهْلًا، وَإِنْ أَصَابَ اللِّئَامَ كُنْتَ لَهُ أَهْلًا.وَمِنْ سَخَاءِ السَّلَفِ مَا حُكِيَ أَنَّ ابن عامر اشْتَرَى دَارًا بِتِسْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ سَمِعَ بُكَاءَ أَهْلِهَا، فَسَأَلَ، فَقِيلَ: يَبْكُونَ لِدَارِهِمْ. فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِيتِهِمْ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الْمَالَ وَالدَّارَ لَهُمْ جَمِيعًا.وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَتَكَلَّمُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يَتَصَدَّقَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مِسْكِينًا.وَعَنْ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ عبد الملك سَأَلَهُ عَنْ خِصَالٍ حَدَّثَ بِهَا عَنْهُ، فَأَجَابَهُ أسماء: مَا مَدَدْتُ رِجْلِي بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لِي قَطُّ، وَلَا صَنَعْتُ طَعَامًا قَطُّ فَدَعَوْتُ عَلَيْهِ قَوْمًا إِلَّا وَكَانُوا أَمَنَّ عَلَيَّ مِنِّي عَلَيْهِمْ، وَلَا نَصَبَ لِي رَجُلٌ وَجْهَهُ قَطُّ يَسْأَلُنِي شَيْئًا فَاسْتَكْثَرْتُ شَيْئًا أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ.وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ انْقَطَعَ زِرُّهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَمَرَّ عَلَى خَيَّاطٍ وَأَرَادَ النُّزُولَ، فَبَادَرَهُ الْخَيَّاطُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، وَأَصْلَحَ لَهُ زِرَّهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَأَخْرَجَ لَهُ صُرَّةً فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهَا لَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ قِلَّتِهَا.قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ حمادا لِمَا بَلَغَنِي عَنْهُ، وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ لِنَفْسِهِ:وَعَنْ الربيع بن سليمان قَالَ: أَخَذَ رَجُلٌ بِرِكَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: يَا ربيع، أَعْطِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَاعْتَذِرْ إِلَيْهِ عَنِّي.وَقَامَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ سعيد: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ مِثْلَكَ، فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ أُخْرَى.وَرُوِيَ أَنَّ عليا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَأْتِنِي ضَيْفٌ مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أَهَانَنِي.وَرُوِيَ أَنْ رَجُلًا أَتَى صَدِيقًا لَهُ، فَدَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: عَلَيَّ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، فَوَزَنَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِ وَعَادَ يَبْكِي، فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: أَبْكِي لِأَنِّي لَمْ أَتَفَقَّدْ حَالَهُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى مُفَاتَحَتِي.فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ هَذِهِ أَخْلَاقُهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ. .بَيَانُ ذَمِّ الْبُخْلِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْرِ: 9، وَالتَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آلِ عِمْرَانَ: 180] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَيَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ».وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ».وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْبَخِيلَ فِي حَيَاتِهِ، السَّخِيَّ عِنْدَ مَوْتِهِ».وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ، وَسُوءُ الْخُلُقِ».وَعَنْ علي كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 237].وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَبْعَدُ غَوْرًا فِي نَارِ جَهَنَّمَ: الْبُخْلُ أَوِ الْكَذِبُ.وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: الْبَخِيلُ لَا غِيبَةَ لَهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ إِذًا لَبَخِيلٌ.وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ بَنِي لَحْيَانَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ»؟ قَالُوا: جد بن قيس إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ بُخْلٌ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ، وَلَكِنَّ سَيِّدَكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ» وَكَانَ عمرو يُولِمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَزَوَّجَ.وَعَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ حَقَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التَّحْرِيمِ: 3].وَقَالَ بشر: النَّظَرُ إِلَى الْبَخِيلِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَلِقَاءُ الْبُخَلَاءِ كَرْبٌ عَلَى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.وَقَالَ ابن المعتز: أَبْخَلُ النَّاسِ بِمَالِهِ أَجْوَدُهُمْ بِعِرْضِهِ..بَيَانُ الْإِيثَارِ وَفَضْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ السَّخَاءَ وَالْبُخْلَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْقَسِمُ إِلَى دَرَجَاتٍ، فَأَرْفَعُ دَرَجَاتِ السَّخَاءِ الْإِيثَارُ، وَهُوَ أَنْ يَجُودَ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا السَّخَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ بَذْلِ مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمُحْتَاجٍ أَوْ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ، وَالْبَذْلُ مَعَ الْحَاجَةِ أَشُدُّ، وَكَمَا أَنَّ السَّخَاوَةَ قَدْ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَسْخُوَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ الْحَاجَةِ.فَالْبُخْلُ قَدْ يَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَبْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، فَكَمْ مِنْ بَخِيلٍ يُمْسِكُ الْمَالَ وَيَمْرَضُ فَلَا يَتَدَاوَى، وَيَشْتَهِي الشَّهْوَةَ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا إِلَّا الْبُخْلُ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ وَجَدَهَا مَجَّانًا لَأَكَلَهَا، فَهَذَا بَخِيلٌ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، فَانْظُرْ مَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ عَطَايَا يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْإِيثَارِ دَرَجَةٌ فِي السَّخَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِهِ فَقَالَ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْرِ: 9].فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفٌ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْئًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ بِالضَّيْفِ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّعَامَ وَأَمَرَ امْرَأَتَهُ بِإِطْفَاءِ السِّرَاجِ، وَجَعَلَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ، وَلَا يَأْكُلُ حَتَّى أَكَلَ الضَّيْفُ الطَّعَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَى ضَيْفِكُمْ» وَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الْحَشْرِ: 9].فَالسَّخَاءُ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِيثَارُ أَعْلَى دَرَجَاتِ السَّخَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَظِيمًا فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَمِ: 4].قِيلَ: خَرَجَ عبد الله بن جعفر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَلَى نَخِيلِ قَوْمٍ وَفِيهِ غُلَامٌ أَسْوَدُ يَعْمَلُ فِيهِ إِذْ أَتَى الْغُلَامُ بِقُوتِهِ فَدَخَلَ الْحَائِطَ كَلْبٌ وَدَنَا مِنَ الْغُلَامِ فَرَمَى إِلَيْهِ الْغُلَامُ بِقُرْصٍ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ رَمَى إِلَيْهِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فَأَكَلَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ كَمْ قُوتُكَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلِمَ آثَرْتَ بِهِ هَذَا الْكَلْبَ؟ قَالَ: مَا هِيَ بِأَرْضِ كِلَابٍ إِنَّهُ جَاءَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ جَائِعًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أَشْبَعَ، وَهُوَ جَائِعٌ، قَالَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ الْيَوْمَ؟ قَالَ: أَطْوِي يَوْمِي هَذَا، فَقَالَ عبد الله بن جعفر: أُلَامُ عَلَى السَّخَاءِ إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ لَأَسْخَى مِنِّي فَاشْتَرَى الْحَائِطَ وَالْغُلَامَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْآلَاتِ فَأَعْتَقَ الْغُلَامَ وَوَهَبَهُ مِنْهُ.وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ: إِنْ أَخِي كَانَ أَحْوَجَ مِنِّي إِلَيْهِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَبْعَثُ بِهِ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهُ سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ وَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ.وَقَالَ حذيفة العدوي: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ أَيَّامِ فُتُوحِ الشَّامِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمٍّ لِي وَمَعِي شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ وَأَنَا أَقُولُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ: أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: آهْ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي إِلَيَّ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، قَالَ: فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَسَمِعَ بِهِ آخَرُ فَقَالَ: آهْ فَأَشَارَ هشام:انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى هشام فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
|